بين الجماهيرية والتأثير
بقلم الكاتبة/ علية المالكي
"الجماهيرية ليست هدف، وهدفي أن اصنع أثر لو في شخص واحد"
تفوهت بهذه الإجابة على سؤال سطحي طُرح في لقاء عمل مُنتظر، كان يُشير إلى اهتمام المسؤول بعدد الجمهور والمتابعين والتسويق وكم الربح المتوقع دون النظر إلى النتيجة التي سيُطوى عليها الأمر كله، ولم تكن آرائي وقناعاتي وشبيهاتها مستحسنة، فمقصت حدتي في ذاك النقاش لقلة المبالاة باقناع من لا يذعن للرأي والدليل، ولا يهتم صدقًا بالغرس وترك الأثر.
وقليل من لا يعلم إنّ التأثير إحساس قوي مُلحق بعواقب فعالة، ووقع في العقل والقلب يحركها ويهزها، وانطباع يخلّفه شيء في النفس كنتيجة تحدثها خاصية شيء كيمائي أو فيزيائي أو قدرته الفاعِلة، لكن الذي لا نعلمه الفرق بين الجماهيرية والتأثير؛ شتان بينهما وليس كل مؤثر ذا جماهيرية ولا كل ذا جماهيرية مؤثر.
إنّ الهدف في التأثير يُقاس بمبلغ النزاهة فيه والقوة فيما كُسب منه، ويؤخذ ممن يعَملَ به، كما قال "برنارد شو" إذا لقنت إنسانًا فإنه لن يتعلم ابدًا" ، فإذا أمرت بشيء أفعله أولًا، وإذا نهيت عن أمر فاسبق في البعد عنه، ثم اجتهد أنّ يتحول أمرك ونهيك إلى حقائق حية في الآخرين، وتذكر إنّ معرفة الهدى لا تكون إلا بدليله.
أعود إلى الجماهيرية والتي يُسند عليها التأثير في زمننا هذا، فالموضوع مثيرًا للأحاسيس وكوامن النفوس حتى لمن كظم فؤاده وقدَر على كتمانه سيقدح شراره عند أول موقف يواجهه، لأن كثيرًا من ما يُطلق عليه تأثير تبعية غير مقصودة بالأصالة، وتأويل نصوص لتوافق الهوى، ولوي لأعناق رماح الحروف كي لا تُصيب، وهذا سببه هِشة وضعف مبادئ تنهار أمام الفتن، وشيطانًا تمكّن من الإغواء بيُسر.
فلا أنجح الله تأثير أدى بقيمة إلى العدم وسلب وهدم وكسر، وفكر ترسّخ فجعل من أصحاب الترف اللفظي والهرطقة الكلامية والملَكَة العددية قدوة ومؤثر.