هو الشاعر النبطي، صاحب الكلمة العذبة، برز في جيل الثمانينات وحافظ على قيمة الشعر الشعبي، لُقب بسيف الشعر فكانت كلماته كعاصفة مثيرة للدهشة والإعجاب ،تميز بسهولة المفردة وعمق الفكرة وشعبية العبارة مما جعلت من قصائده مزيج مميز لشخصيته.
إنه الشاعر الراحل مساعد الرشيدي قامة من قامات الشعر النبطي ومجدد الحداثة في مجالاته فلا يكاد أحد من الشعراء مماراته أو التفوق عليه ..
يقول مساعد معتزاً بذاته :
محدٍ يخليني على مفرق طريق
أنا الطريق من أوله لين آخره ..
تركت قصائد الشاعر الراحل مساعد الرشيدي أثراً واضحاً في جمهور الشعر ومحبيه في المملكة وخارجها، الذين رأوا في شاعرهم على مدى عقود طويلة، فارساً مغواراً، يمتطي صهوة جواد الشعر، سلاحه العشق والكلمة الرقيقة، ودرعه المعنى القوي والخيال.
فقد ترك لنا “الرشيدي” حالة من الخيال الإبداعي المستمر في نفوس كل من استمع إليه، صغيراً كان أم كبيراً، ليس لسبب سوى أن قصائده انغمست في بحر من الإبداع والتركيبات اللغوية الفريدة، التي وظّفها خير توظيف، لإيصال أفكاره -شعراً- إلى محبّيه.
يُعتبر مساعد الرشيدي، الذي كتب الشعر وعمره 13 سنة، أحد أهم شعراء القصيدة المحكية في منطقة الخليج، وصاحب تجربة ثرية، امتدّت لأكثر من 3 عقود؛ حيث تألّق في قرض الشعر الحديث، ونجح في تغيير ما هو سائد في زمن ما قبل “مساعد”، الذي عُرف بميله إلى الصمت، لكن ما أن يخرج من صمته، حتى يقبل كالأعصار، ليتحف محبيه بأجمل القصائد، فتتسابق وسائل الإعلام لنشرها، ويتميز شِعره بقوة المعنى، واختيار الأوزان الشعرية القوية القافية والموسيقى الداخلية المعبرة.
وُلد “مساعد” في محافظة “خيبر” عام 1962، وقضى أول فترات طفولته في الكويت، ودرس الابتدائية والمتوسطة في مدينة أبها، وتخرج بإحدى ثانويات خميس مشيط، والْتحق بالحرس الوطني، ووصل إلى رتبة عميد، ونشأ في عائلة معروفة بميولها الشعرية، فأمه كانت شاعرة وعمه أيضاً بإستثناء والده، الذي لاحظ ميول ابنه الفنية، فنصحه بعدم قراءة الشعر، إلا إن الفطرة الشعرية لديه كانت قوية..
وفي لقاء صحفي، سُئل الأمير بدر بن عبدالمحسن عن أفضل شاعر، فذكر “مساعد الرشيدي”..
من هنا انطلق نجم مساعد الرشيدي يظهر، إلى أن أصبح أهم شعراء جيله في السعودية والخليج.
وله دواوين عدة، ولكن أشهرها ديوان “سيف العشق”، فلقد أطلقت الساحة الشعبية سيف العشق على مساعد نسبة إلى ديوانه الأول.. ثم تتابع في اصدار دواوينه الشعرية حبات الرمان على الثلج ومراهيج..
اختلف النقاد في وصف عذوبة مشاعره ورهافة معانيه واتفقوا على حدة كلماته القاطعة التي وظفت بشكل سلس و سهل ممتنع..
نظم في جميع أغراض الشعر وبنفس القوة والتمكن حتى إنك لا تراه إلا في المدح فارساً مغواراً وفي الغزل عاشقاً متيماً هائماً وفي الرثاء حزيناً متوجداً..
شارك في مهرجان الشعر الشعبي في ليبيا وله الكثير من القصائد التي عبر فيها عن حبه وولائه لوطنه و دائمًا ما يشارك في المناسبات الوطنية بأبيات شعرية مميزة..
وبلغت ذروة مجد مساعد الرشيدي في كتابته لأوبريت الجنادرية، حيث غلبت على أشعاره في هذه المناسبة الوطنية المهمة، بساطة الكلمة وقوة المعنى.
ولـ”الرشيدي” الكثير من القصائد القديمة التي لم ترَ الشمس، ولم تخلُ قصائده من الحزن العميق، الممزوج بالكبرياء والشموخ في آن واحد.
ويندر أن تجد قصيدة من قصائد مساعد، لا يتحدث فيها عن الجرح، ومن قصائده في هذا الاتجاه، قصيدة تقول:
ينجرح قلب لكن ترتفع هامه
والله إني لموت ولا انحنى راسي
لو رماني زماني وسط دوامة
العواصف شديدة والجبل راسي
ورغم وجوده في مدينة الرياض، إلا أنه لم ينسَ معشوقته الجنوب، فيقول:
تذكرين الغلا والصيف والسودة
لمة البرق والخلان والراعد
تذكرين القصيد وسلهمة سودة
واحد كان ما مثله ولا واحد
وعقدت لـ”مساعد” الكثير من الأمسيات سواء داخل الوطن أو خارجه، ففي داخل المملكة كانت له أمسيات في بريدة وحائل والمجمعة وأبها… وغيرها من المدن، وخارج المملكة كثير، كانت أمسية الكويت انطلاقته الفعلية في إقامة الأمسيات الشعرية.
كما تم استضافته في أكثر من برنامج، وأجريت له العديد من اللقاءات الصحفية.
ابتعث “الرشيدي” لمدة سنة إلى أمريكا، وهناك تذكّر الوطن والأهل، فكتب قصيدته المشهورة الوفية التي لايكاد صغير ولا كبير إلا يرددها :
حزين من الشتا وإلا حزين من الظمأ ياطير
دخيل الريشتين اللي تضفك حل عن عيني
دخيل الما وملح الما وحزن الما قبل ماتطير
تهيا للهبوب اللي تصافق في شراييني
دخيل الغصن والظل والهزيل وهفهفات إعصير
دخيلك لاتشح بنجمتي والليل ممسيني
ترفرف يافقير الريش ضيقه والنهار قصير
علامك كل ماليل جناحك جيت ساريني
انا ماني بخير وجيت يمي وانت مانت بخير
وانا ياطير في من الهجاد اللي مكفيني
ترى لو شفت لي ظل ومهابه في عيون الغير
ترى كل الزهاب اللي معي جرحي وسكيني
ثم عاد إلى الوطن ليكتب قصيدته “الكنة”:
عذب السجايا وعوده بأول الكنة
متى تزين السوالف واخذ علومه
وأسامحه عن خطاة الجرح والونه
وأعاتبه لو يصد شوي وألومه
رحم الله الشاعر مساعد الرشيدي، وأسكنه فسيح جناته.. فقدته الساحة الشعرية مبكراً لم يتجاوز الخامسة والخمسين من عمره.. فقده كل من عرف مساعد الإنسان النبيل، المعروف بمواقفه ووقفته، أحبه الجميع و تأثر بموته الجميع.. صدق حين قال لن أمر في ذهن الزمن مرور الكرام..
رحمك الله يا أبا فيصل رحمة الأبرار..