منذ أن تلقيت خبر وفاة عراب الإخراج حاتم علي رحمه الله وأنا أفكر بكتابة مقال و لا أجد لدي الوقت والقدرة لأفعل.
وحين أقول القدرة أقصد النفسية منها، فذاك الرجل يشكل ظاهرة فريدة وفق رأيي في الدراما العربية بل والعالمية.
معلوم عني أني لست كاتبة مناسبات و لم أقم بتأبين أحدهم من قبل.
لكن حاتم شخصية خاصة جذبت قلمي ليكتب و ينزف.
شكل حاتم علي بمسلسلاته الغير مسبوقة أجزاء هامة من ذاكرتي و عبث بوجداني وأثار عقلي وحفز مخيلتي أيما تحفيز.
كم حملني على غيمة من جمال واقعي وأسري ونفسي عبر الفصول الأربعة التي كانت بسيطة في الأسلوب عميقة في. المعنى ، بديعة تمثيلا و تشخيصا، راقية طرحا .
صنع مع عراب التمثيل الفذ جمال سليمان ثنائيا موفقا، وصنع ثنائيا باذخا آخر مع الأديب و المؤلف البارع د. وليد سيف، فقدموا جميعا أجمل الدرر لعقل و نظر ووجدان المشاهد العربي و المسلم، تضمنت أعماله إبهارا غير مسبوق و رؤية مختلفة و تصويرا متفردا ،حتى الديكور و الإضاءة و أدق التفاصيل كانت في نتاجه روعة وإتقانا .
كما شكلت زوجته السيدة دلع الرحبي جزءا هاما من قوة أعماله كمؤلفة إلى جانب الرائعة ريم حنا.
لم يكن حاتم علي مجرد مخرج رائع بل كان منظومة فنية متكاملة ومشروعا حضاريا جميلا ارتقى بذائقة المشاهد العربي لعقود.
هو المؤلف المتمكن و السيناريست البارع والمخرج العبقري و المثقف الراقي والمفكر الحامل لهموم مجتمعه.
غلفتني صدمة رحيله بشرنقة من حزن لا أعرف لها سببا وبشجن عجيب وذرفت دمعات غاليات كلما فتحت مقاطع دفنه ورثاء الناس له.
تساءلت ماسر ذاك الحزن المخيم على مضارب وجداني؟
نسمع كل يوم عن رحيل مبدعين من كتاب و مفكرين و علماء وفنانين ناهيك عن المقربين و بالطبع تألمت لفراق الجميل محمود ياسين نهر الرومانسية و غيره كثير، ولكن ماسر هذا الوجع و لم إذن حزنت بهذا الشكل على وفاة حاتم؟!
و وجدت الجواب في أرجاء صحاري الفن القاحلة المترامية في الدراما العربية حيث الغث يضرب على النفس سحابة سوداء والسمين قليل وزهيد.
أدركت أني كنت أضع عليه آمالا عريضة لتزويدنا بمزيد من الجمال والفكر و التفرد كأعمال فنية، كنت أتشوق لمسلسلات أكثر عن تاريخنا المجيد يحاكي روائع سلسلة الأندلس وأعمال تخاطب وجداننا المسلم و العربي كالتغريبة وفاروق
و أعمال تناقش هموم الإنسان العربي، ربما وددت يوما أن يخرج عملا يضم مؤلفا لي و أتشرف بذلك.
أحببت شخصك حاتم وفكرك و فنك وما أمتعتنا به من نتاج.
جعلك الله في جنات النعيم.
ونرجو أن يولد ألف حاتم ليصبح الفن رسالة هادفة ومهمة كما جعله هو باقتدار.