أخذ من العروبة عزة النفس والفخر و من البداوة الشجاعة والجسارة وفصاحة اللسان وسلامة النطق.
كان لبيئته أثر كبير في فكره و طرحه ونشأته حيث كانت الصورة النمطية للفارس الشجاع الشهم الكريم تسيطر عليه في كل سنوات حياته حتى أصبح أحد أبرز فرسان الجزيرة العربية وأهم رجالاتها سياسياً واجتماعياً..
من فيافي نجد برز نجمه حيث ولد هناك وفيها أيضاً توفي ودفن..
معشوقته الأولى ( نجد ) نظم فيها جل قصائده وعلل أسباب حبه لها لما لنسمات نجد إلهام للشاعر وذكريات لمن أحب..
من أجمل قصائده الغزلية أبيات تغنى بها الفنان محمد عبده مطلعها :
إنكان بي عذروب حبي لأهل نجد
أحبها و أحب شمة هواها
أحبها يوم انها ديرة المجد
دارن تمكن بالضماير غلاها
شاعرنا هو الأمير الراحل محمد بن أحمد بن محمد السديري ولد في الأفلاج عام ١٩١٦م حيث كان والده أميرا لها عاش طفولته مولعاً بشخصية الفارس وأخلاقه وقادته نزعته الفطرية إلى حياة الصحراء وتجربة مصاعبها من خلال تأثره بصورة الفارس ..
جدهُ الأول أحمد الملقب بالباشا رجلاً مشهوداً له بالأدب والشعر و متمرساً في الإمارة والفروسية فهو أيضاً جد الملك عبدالعزيز آل سعود لأمه ساره بنت أحمد الباشا السديري..
يعود نسب السدارا إلى البدارين من الدواسر أما أخوال شاعرنا هم عائلة الرشود من شيوخ سبيع..
انتقل الأمير الفارس مع والده إلى الغاط بعد إمارته للأفلاج، وهناك درس الأمير علوم الدين وحفظ القرآن والفقه والتجويد على أيدي مشائخ القصيم آنذاك..
ظهر إهتمامه بالأدب والشعر والفروسية في مراحل عمره الأولى حيث كان يحضر مجالس والده ويختلط بالشعراء ووجهاء القبائل.. تعلق قلبه بالصيد والرحلات البرية حيث كان له مكان مفضل يختلي بنفسه فيه وهي منطقة الزويلية بالغاط.. هناك بدأت محاولات شاعرنا الفارس الصغير في نظم الشعر وكانت ولادة أول قصائده..
أُعجبَ الأمير بشجاعة الملك عبدالعزيز و بطولاته وتوحيد المملكة وكان يتابع أخباره..
اهتم كثيراً بالخيول وأنواعها وكذلك بالصقور واقتنائها وارتبط بها حتى وفاته.. فكانت قصائده لاتخلو من وصف الخيل والطير والصحراء و خلق حوارات معهم وكأنهم أشخاص حوله..
قصائدُ الأمير السديري لاتنقصها الجزالة، ومواقفه لاتغيب عنها الشجاعة، و آراؤه لاتفتقدها الحكمة، وأفعاله لا تخلو منها رجاحة العقل..
هكذا بدت صورة الأمير السديري أمام كل من يعرفه أو يسمع عنه..
عُرف عنه حب مساعدة الآخرين وشفاعته للناس عند الحكام ووقوفه مع المظلوم حتى ينصره.. فكل من يحتاج الأمير لا يتردد في طرق باب السديري حتى أنه ذات يوم خلع باب قصره الخارجي في الطائف لكي لايقفل في وجه الناس..
له قصيدة شعرية صاحبة الحكم الجزال والمعاني العظيمة خلدت اسم الشاعر الكبير السديري في أذهان الناس وأصبح من أبياتها أمثال يحفظها الأجيال..
قال في مطلعها :
يقول من عدا على رأس عالي
رجم طويل يدهله كل قرناس
في رأس مرجوم عسير المنالي
تلعب به الارياح مع كل نسناس
في مهمهٍ قفر من الناس خالي
يشتاق له من حس بالقلب هوجاس
قعدت في رأسه وحيد لحالي
برأس الطويل ملابقه تقل حراس
متذكرٍ في مرقبي وش غدالي
وصفقت بالكفين ياسٍ على ياس
اخذت اعد ايامها والليالي
دنيا تقلب ما عرفنا لها قياس
كم فرقت بين غالي وغالي
لو شفت منها ربح ترجع للافلاس
يا ما هفابه من رجال مدالي
ما كنهم ركبوا على قب الافراسِ
ولا قلطوهن للكمين الموالي
ولا صار فوق ظهورهن قطف الانفاس
ولا رددوا صم الرمك للتوالي
كلٍ يبي من زايد الفعل نوماس
من بينهم سمر القنا والسلالي
مثل البروق برايح ليله ادماس
يقطعك دنيا مالها أول وتالي
لو اضحكت للغبن تقرع بالاجراس
المستريح اللي من العقل خالي
ماهو بلجات الهواجيس غطاس
ماهوب مثلي مشكلاته جلالي
ازريت اسجلهن بحبر وقرطاس
حملي ثقيل وشايله باحتمالي
واصبر على مر الليالي والاتعاس
وارسى كما ترسى رواس الجبالي
ولا يشتكي ضلعٍ عليه القدم داس
يا بجاد شب النار وادن الدلالي
واحمس لنا يا بجاد ما يقعد الرأس
ودقه بنجرٍ يا ظريف العيالي
يجذب لنا ربع على اكوار جلاس
وزله إلى منه رقد كل سالي
وخله يفوح وقنن الهيل بقياس
وصبه ومده يا كريم السبالي
يبعد همومي يوم اشمه بالانفاس
فنجال يغدى ما تصور ببالي
وروابع تضرب بها اخماس واسداس
لا خاب ظني بالرفيق الموالي
مالي مشاريه على نايد الناس
لعل قصر ما يجيله اظلالي
ينهد من عالي مبانيه للساس
لا صار ماهو مدهلٍ للرجالي
وملجا لمن يشكي الضيم والباس
بحسناك يا منشي حقوق الخيالي
يا خالق اجناسٍ ويا مفني اجناس
تجعل مقره دارس العهد بالي
صحصاح دوٍ دارسٍ مابه اوناس
البوم في تالي هدامه يلالي
جزاك يا قصر الخنا وكر الادناس
متى تربع دارنا والمفالي
وتخضر فياض عقب ماهي يباس
نشوف فيها الديدحان متوالي
مثل الرعاف بخصر مدقوق الالعاس
وينثر على البيدا سوات الزوالي
يشرق حماره شرقة الصبغ بالكأس
وتكبر دفوف معبسات الشمالي
ويبني عليهن الشحم مثل الاطعاس
وكان أجمل بيت والذي أصبح مثل ذو معنى وقيمة الذي قال فيه:
لا خاب ظني بالرفيق الموالي
مالي مشاريه على نايد الناس
شاعرنا هو أول من ألف ملحمة شعرية باللهجة المحلية، وكانت غنائية أيضاً..
لم يصدر له دواوين شعرية إلا بعد وفاته( أصدرت له مجموعة قصائد ومساجلات شعرية بعد رحيله رحمه الله) مع أنه إهتم جداً بتأليف الكتب والدواوين ولكنه أبرز شعر من عاصره أو سبقه وخلد أشعارهم و وثق الموروث الشعبي من خلال ما أصدر من مؤلفات..
مؤلفاته :
١-(أبطال من الصحراء): كتاب أبطال من الصحراء سيرة أدبية تاريخية. يستهدف محمد السديري من خلال هذا الكتاب البحث المتأني والعميق لأوضاع قبائل البادية من خلال نماذج متميزة من رجالاتها الذين كان لهم دور متميز في الحياة وحضور كبير بين قبائلهم ولدى القبائل الأخرى. وتعكس هذه النماذج صوراً حية عن حياة البادية وعلاقات القبائل بعضها ببعض من خلال غزواتها وحروبها وأيام صفائها المشفوعة بالكثير من التحالفات القبلية التي تقرر الكثير من مجريات الأحداث في هذه البلاد المنعزلة عن الدنيا حينذاك، وإن كانت تربط بالأمة الإسلامية من حيث كونها أقرب بقاع الدنيا إلى مهد الرسالة المحمدية ومهبط الوحي وإلى التربة الطاهرة التي استقر فيها الجسد العظيم لرسول الأمة ونبيها وهاديها إلى طريق النور.
٢- (الدمعة الحمراء)، قد أعاد نشره بتصرف الكاتب طلال عثمان السعيد يحمل نفس الاسم الدمعة الحمراء لأن العين حين تنتهي دمعاتها البيضاء أو الزرقاء كما نسميها نحنُ أهل البادية تكون العين مجبرة على البكاء؛ فإنها لن تجد غير الدموع الحمراء لتذرفها.
٣- (الحداوي: هكذا يقول الأجداد على صهوات الجياد): يقع في مجلدين، ونُشر عام 1430هـ. وهو من تأليفه، وتحقيق سليمان بن محمد الحديثي الذي افرده بجزئين عن الأحديات حيث يود المؤلف المناسبة، ومن ثم يشرح الألفاظ متحدثاً عن الشخصيات وذكر الكثير من ألقابهم وقبائلهم.
٤ – (الملحمة الشعبية): قصيدة سياسية مطولة تبلغ 131 بيتاً.
٥ – (الملحمة الزايدية): قصيدة مطولة في الحكمة، وفي الفخر وتبلغ 158 بيتاً.
٦- (ملحمة عكاظ): قصيدة مطولة تبلغ 194 بيتاً، يفتخر فيها بتاريخ العرب والصحابة والملك عبد العزيز.
٧- (مرويات الأمير محمد الأحمد السديري) صدر من جزء واحد عام 1434هـ جمعه وعلق عليه الباحث سليمان الحديثي.
٨- (الديوان الكامل للأمير محمد الأحمد السديري): صدر عام 1436هـ بإشراف ابن الراحل، يزيد بن محمد السديري وجمع وتعليق سليمان الحديثي.
شغل الأمير الشاعر الفارس مناصب قيادية فقد أُمِّرَ على الجوف في عهد الملك عبدالعزيز ثم جيزان ليرسم الحدود مع اليمن ثم شارك في حرب ٤٨ بين الدول العربية وإسرائيل وكان قائد الفدائيين السعوديين آنذاك..
ساهم في ترسيم الحدود الشمالية وبدأ بتخطيط المدن فكانت أول مدينة يخطط لها وتبنى مدينة عرعر.. ساعد في توطين أهل البادية وانشئ أول مستشفى لهم مستشفى ( التاب لاين)
عاد مرة أخرى لحماية الحدود في جيزان عندما اندلعت الحرب الأهلية في اليمن وسعى في الصلح والهدنه..
مرض الأمير الشاعر فطلب اعفائه من المناصب ليتفرغ لحياته وصحته فقضى أيامه بين الصيد في براري نجد شتاء وفي الطائف المأنوس صيفاً بين مزرعته و ديوانه الذي لا يغلق..
للشاعر قصائد مغناة قد يجهل الناس من قائلها مثل قصيدته :
أنا وخلي كل دارن وطنا
عيني وقلبي كلها له هديه
لو التمني ينفع اللي تمنى
ماكان صرت اليوم نفسي شقيه
رافق الشعر الفارس السديري حتى اللحظات الأخيرة من حياته، فقد كتب آخر بيت وهو في العناية المركزة يخاطب أبنائه قائلاً :
إن شفتكم فتح فؤادي بالأزهار
و إن غبتوا صفق القلب مقهور
تزوج الأمير السديري ست مرات، وله أحد عشر ولداً و أحدى عشرة بنتاً كلهم أفاضل، فمن ضمن بناته شاعرة ورثت الشعر من والدها الأمير و علا صيتها في القصائد المغناة وهي الشاعرة مها السديري ( غيوض) زوجة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله..
رحم الله الشاعر الأمير محمد الأحمد السديري حيث توفي في عام ١٩٧٩م..
نعاه الديوان الملكي وشيع جنازته لمثواه الأخير، الكثير ممن عرف الأمير عن قرب من الأحباب والأصحاب..
رحل السديري عن كثير من الفقراء والأيتام الذين كانوا محط إهتمامه ورعايته..
رحل جسده وبقي ذكره وشعره وأثره.. فما زال يعيش ذكر السديري بعد أكثر من أربعة عقود، فلقد أجاد تجسيد دور الفارس العربي في أقواله وأفعاله..