بقلم الدكتور/احمدالهلالي
انتابتني مشاعر متباينة بعد إعلان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد القبض على مجموعة من الموظفين الفاسدين، فقد شعرت بالسعادة حين لمست سرعة تعاطي الهيئة مع القضايا والبت فيها وإعلانها، وشعرت بالحزن وبعض المقبوض عليهم من قيادات القطاع الصحي، القطاع الذي نكن له كل امتنان وعرفان في هذا الظرف الدقيق جدا، وزاد حزني حين تعمد الفاسدون خذلاننا وخذلانهم لزملائهم الأوفياء، ووطنهم ودولتهم.
نعم، الفاسد يخذل الجميع، بداية بوالديه وأسرته ومجتمعه وأساتذته وصولا إلى وطنه وقيادته ودينه، فقد استغل ثقتهم فيه، ثم خدع الجميع وغدر بهم، حين أقدم على بيع كل شيء من أجل حفنة من المال الحرام، أجزم أنه في غنى عنها، خاصة في بلد مثل السعودية يتمتع الموظفون فيها بمرتبات ومزايا مناسبة، وكلما ارتفعت مرتبته كان أوفر حظا.
الموظف الفاسد ضدنا جميعا، فهو الذي يغير كل الأشياء، ويقلب كل موازين العدالة، يربك القوانين والأنظمة، ويبيع الفرص، ويحرم المستحقين، ويقصي الكفاءات، ويخل باشتراطات الجودة، ويعطل المشروعات، ويعرض أمننا الصحي والغذائي والوظيفي والوطني للخطر، ويظل ثغرة يعبر من خلالها الظلم وضياع الحقوق، ولا علاج له إلا الاستئصال، كما تستأصل الخلايا السرطانية من الجسم، فالفاسد أيضا يعمل على نشر ثقافة الفساد؛ كيلا يشعر بوخز بقايا الضمير، لأن مبرراته غالبا أن الفساد منتشر في الطبقات الأعلى والأدنى منه.
إنني أشعر بمرارة التعجب في زمن كورونا، حين نتراص جميعا شعبا وقيادة، ونقف صفا واحدا لمواجحة هذه الجائحة الكونية الخطيرة، وأن يضحي كثير من كوادر القطاع الصحي بأرواحهم من أجل وطنهم ومن على ثراه، وفي هذه اللحظات الحساسة تلقي الأجهزة الأمنية القبض على قيادات من (وزارة الصحة)، لم يستشعروا أدوارهم، ولم يحسوا بعظم المسؤولية التي كلفهم بها ولي الأمر، بل أسال لعابهم فتات لا يساوي شيئا أمام دعوات الملايين وتصفيقهم للطواقم الصحية، ولما تبذله القيادة من مقدرات جليلة ونفيسة من أجل المواطنين والمقيمين.
لن يؤثر هؤلاء الحثالة في اعتزازنا بنزاهة وولاء ونقاء الكوادر الصحية، ولن يشوهوا جهودهم الجبارة التي بذلوها وما يزالون، فنحن نفخر بهم، وبأجهزتنا الأمنية والرقابية، التي لم تعطلها الجائحة، ولا المشاعر الدافئة عن متابعة مهامهم الوطنية، وملاحقة الفاسدين، تحقيقا لوعود المرحلة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وتعاهدنا جميعا بألا ينجو الفاسد بفعلته أيا كان، وهذا ما نلمسه باستمرار منذ انطلاق الحرب الموفقة ضد الفساد والمفسدين، وهو أيضا ما يشعرنا بالاطمئنان والثقة بأجهزتنا وأنظمتنا ومنظوماتنا، ولا نامت أعين الفاسدين.