مراقبة الآخرين أسلوب من الأساليب السيئة التي يلجأ إليها بعض الأشخاص للنيل من هؤلاء لسبب ما ، بغرض التشهير بهم او للتفتيش عن إسرارهم ، وايضا تعد من باب الفضول والحسد ، والتي تفسد الود ، وتهدم العلاقة بين الناس ، وتزعزع الثقة وتدمرها.
فمراقبة الجار لجاره ، او الصديق لصديقه ، او القريب لقريبه.. يتتبعه في ذهابه وإيابه ، وفي حله وترحاله ، يراقب تحركاته وأعماله ، ويحللها ويفسرها ويبدأ بالتفكير والإستنتاج.
فهؤلاء نستغرب حالهم .. وتفكيرهم .. و رؤيتهم الضيقة والمحدودة للحياة. فالبعض للأسف لا يستطيع ان يرى ابعد من أنفه ويستحيل عليه أن يشغل عقله ويستغل طاقاته بشيء يفيده ويفيد غيره. ليس له عمل سوى ان يجلس ويراقب فلانا ويتربص بعلان ، همه ان يكشف أسرار غيره وما يخفيه ، غير آبه بما يحصل حتى لأقرب الناس منه ، فما يفعله نابع من الحقد والحسد بسبب نجاح الآخرين أو تميزهم او حياتهم السعيدة ، فيجعله ذلك يفعل أي شيء حتى يطعن بظهر الآخرين ويسلبهم نجاحهم. وترى الوجه الآخر له على النقيض تماما حيث يظهر أمامك بالحب والصداقة والولاء ، ولا تدري أنه “يعطيك من طرف اللسان حلاوة” ، ولا يتعظ من القول المعروف “من راقب الناس مات هما”.
، اتفق مع هذه المقولة جدا ومؤمن بها ، واجدها تختصر الكثير ولا تقول اغلب ما يجب ان يقال !
فهذه المراقبة قد تورث ارتفاع ضغط الدم ، و تكون محفز اولي للخوض في احاديث جانبيه كثيره مهما تنكرت باسماء عديده كالثرثره ، البوح ، الفضفضه ، تبقى رديفة لكلمتي الغيبة والنميمه ، و قد تلتقي في مرحلة لاحقة مع قذف المحصنات او هتك اعراض الناس بلا دليل او اثبات .
ولكن كيف لإنسان هذا العصر الصد عن مراقبة الناس ، و هم يحيطونه من كل صوب ، فتارة يكونون هم عناوين الاخبار في القنوات المحلية او الفضائيه ، او يكذبون علانية فوق اوراق الصحف و داخل اعمدتهم الاسبوعية ، و في مرة اخرى يظهرون انفسهم لك و لمن يعرفهم بشكل لا يتوائم مع حقيقتهم التي تعرف عبر صفحاتهم على النت و مدوناتهم او حتى عبر التويتر و من خلال سطر و نصف .
قد تجدهم يتقمصون شخصيات تمنوا ان يكونوها و يتعايشون مع هذا الامر و كانه حقيقه ، بل و بعض آخر منهم تجده يعاني من داء عصاب ، فرأيه في الظهيرة حول امر ما مختلف بشكل محوري عن رايه في المساء و ذلك بعد قضاء دقائق فيس بوكيه ساعدته اما لمعرفة المزيد وتبديل قناعته او اتباع من يتبعهم كقطيع يتصور انه يدرك الى اين متجه وهو في براري الضياع يرفل بنعمة الجهل رغم كثرة المعلومات والاسماء والارقام التي يعرفها ويرددها و يعتقد انها مربط الفرس وتضيف له و يجتهد في حفظها !
انهم يدفعونك طواعية الى تأملهم بشكل لا ارادي ، خاصة حين تجد ان الادوار باتت تتداخل و بشكل يدعو للحيرة ، فممثلة مغمورة اصبحت وجه سياسي جديد ، وفنان متمكن في مجاله وعملاق بات يتقزم مع كل تصريح سياسي جديد يدلي به ، و بعض الساسة على صفحات مجلة للصفوة يتحدثون عن عطورهم المفضلة و يستعرضون بدلاتهم مرددين اسماء ماركتها الشهيرة لمن يهتم بذلك .
مقبل .. عفوا ممثل لم يدع شفة نسائية مثلت معه دون تقبيل يغدو سفيرا للنوايا الحسنة و يرفض على اهل بيته ما يقبله على الآخرين ، و انسانة اخرى تقدم دليل برائتها وتنفي كافة الاشاعات في مجتمع يرفض ان يقبل براهينها و تكذيبها و يتمسك بما نشرته الصحف على لسانها زيفا و يساهم في نشره و يضيف عليه و هو مؤمن به دون اساس حقيقي سوى كراهيته لها بلا سبب واضح !
في عالم كهذا كيف لك ان تتوقف عن المراقبة .. و الاخبار تاتيك عبر رسالة هاتفيه او بريد الكتروني او حديث عابر مع غريب في غرفة انتظار بعيادة ما ، من اين تاتي القدرة على ايقاف هذا الشلال المسترسل والمضاف اليه تلك الدائرة الضيقه و هي العلاقات اليوميه و الناس الذين تعرف عن قرب و تعرف امزجتهم و تقلباتهم و فنونهم في تحوير الكلام و تدويره و فهمه بطريقة لا تتفق البتة مع ما قيل .
تستمر في المراقبة .. و تاخذك احصنة ” ثورة الاتصالات ” في ركابها فتضيع في صحارى شاسعه .. و تبتعد عما يحيطك .. حتى عن ذاتك و افكارك العميقه .. لتتعلق باشباح تطارد اسمائها .. و تغدو مع الوقت اقل عمقا واصالة .. و اكثر تشابه مع من كنت تنتقده و اقرب للسطحية .. سواء عبر مواضيعك التي تطرح .. او التي ترغب بمشاهدتها والاستماع لها .
وتصبح متلقي صرف .. فعوضا عن ان تبحث وتستكشف وتفتش وترفض وتقبل عن وعي و تفكير .. تنتظر الاشياء لتاتيك من تلقاء ذاتها .. سواء عبر رابط قصير في الانترنت .. او عبر تزكية من غريب او صديق .. فتغدو تابع وظل .. معتقدا في اعماقك انك بت تعرف اكثر لكثرة هذه الروابط ، متوهما انك مواكب لكل ما هو جديد .. و ثملا من فرط السعاده حين تسمع بانك انسان عصري !
وللانصاف واعطاء كل ذي حق حقه .. انت لم تعد سوى آلة تم برمجتها .. و وضعها في خط سير محدد … تحمل من البشرية شكلها لكن يتم و منذ زمن تجريدها من اقيم ما بها بل والعبث به .. الا وهو عقلك !
ليتم اعطائك تصور و مفاهيم جديده .. لكلمات انت كنت تعرف معانيها صحيح المعرفة .. مثل الحب .. والذكاء … و الحرية .. والمزيد من المصطلحات الواضحة لك و التي باتت تزيف ليراد بها باطل .. وكل هذا لاجل تشويهك و تشويشك والتحكم بك .. من قبل من !؟
من قبل اناس مثلك .. كان الاولى بك ان تراقبهم .. عوضا عن مراقبة ما وضعوه في دربك .. لتلتهي به .. وقبل ان تنتهي منه … يتم وضع شيئا آخر .. لتحيا دائما في حلقة محكمة من التكرار، لا تتبدل خطوطها الاساسية ، فمهما اتسعت المساحات وقطعت دول و قارات للهرب منها تظل قابعا بداخلها ، بقدم لا تبارح ارضها حتى وان فعلت !
ماذا بعد !؟ … لا ادري .. سوى اني اكتب لك هذه السطور من داخل الحلقة ذاتها … واعاني من بعض العلامات التي ذكرت ان لم يكن كلها … و احيا بقلب ينبض لكن لا يحس بالشكل المطلوب .. وبروح تسمو بقدر اقل من المفترض .. وبشهية من يرغب بالتخدير وهو واعيا لذلك !
ايها الغريب …
كل ما اتمناه حقا في هذه اللحظه … ان اكون اكثر قوة لاتمكن من مراقبة ذاتي بشكل فعلي .. وبعين لها بصيرة منصفة .. لا تقف معي فتزين كل ما اقوم به .. ولا لوامة فارهقها و ترهقني .
اتمنى ان اجمع شتات ذاتي التي بدأت تضيع مني .. وتذوب في اشياء لم تكن من طبيعتي في البداية .. وباتت جزء من عاداتي اليوميه .
راقبت الناس .. فضعت معهم .. وضعت بهم .. وضاعت ايامي دون ان تحسب لي .
فهل لي ان اراقب القادم من ايامي … اقولها وبكل صدق .. اتمنى ذلك .