عندما سلكت هذا الطريق لم يكن في الحسبان أن أفكر لوهلة لماذا عليّ أن أمضي دون التفاتة واحدة لما ورائي؟ ولماذا بالذات هذا الاختيار؟ الذي لم يكن سوى خياري اليتيم..
لم أتوانى في التسليم لأمر الله دون استسلام للأفكار الشيطانية، كنت اسأل نفسي كيف استطعت الوقوف مجددًا و من أين لي تلك القوة؟
الله وحده يعلم الحكمة المخبأة خلف كل أقداري والله وحده هو من ألهمني رشدي وقوى من عزيمتي و أضاء لي الطريق فله الحمد من قبل ومن بعد..
تأملت كثيراً في الألم الذي عصفني تارة، و اعتصر قلبي تارة أخرى لكنه صفاني من كل شوائب الكره والحقد والغل..
وفي كل خطوة للأمام تعثرت و انكسرت حتى تعلمت أن القوة تكمن في الحق وأن الباطل طبل فارغ يعلو صوته ويذهب أدراج الرياح دون أن يترك أثر لأنه زائف..
والحق يعلو ويرتفع حتى لو كان في استراحة الصمت ليظل راسب في العقول وتستيقنه القلوب..
تعلمت أن الحياة رحلة قصيرة أنت تتحكم في مدتها بأفكارك و أفعالك و أسلوبك ..
ذهلت حين صادفني الموت في الطريق ليخطف من حولي وكأنه يشير إليّ انتظري فدورك آت..
تمعنت في وجوه كل من أصادفهم حتى تغلغلت بداخلهم وبفراسة البدو، بدأت أفرز الصديق من العدو لأرتب القوائم أمامي، فلا خير في من لايشد عضد أخيه في أحلك الظروف وينتشله من الضياع ..
أيقنت الحقيقة المرة التي أهرب من التفكير بها تدنو مني شيئاً فشيئاً لتصل إليّ حتى وإن نسيت أو تناسيت فحتما سأواجه المصير المجهول و أنهي مرحلة الدنيا لمرحلة أصعب وأقوى..
كنت دائماً أضع لنفسي خطوطاً لا أتخطاها أبداً و ألزم نفسي بأمور ليس لي قدرة على تحملها ولكن أراد الله أن يريني ضعف مقدرتي و أدرك مبلغ علمي المحدود وأنه القادر على كل شيء فسبحانه عز شأنه وتقدست أسمائه ..
ظننت يوماً أنه بوفاة أبي رحمه الله سأموت مباشرة كمدًا وحزنًا ولكن لم تكن مشيئتي بل هي مشيئة الله ومازلت أرفل في نعم الله عليّ حتى بعد مضي خمسة عشر عاماً على وفاته..
درس من الصبر حفر في عقلي ويقينًا ببشارة الله للصابرين تعمقت في قلبي ..
توالت على مدى أيامي الخسارات ، ففي كل مرة أجد نفسي أقوى لاعتقادي الجازم بأنها لم تكن لحظة خيرتي واختياري ، بل هي أقدار الله المنزلة و حكمته البالغة والخير دائماً في ما اختاره الله..