في الآية ١٢ من سورة الحاقة يقول تعالى
(لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (12)
تتحدث الآية التي تسبقها عن كيفية إنقاذ من أنقذ أيام الطوفان حيث تم حملهم في السفينة وتأمين حياتهم،. ثم جاءت هذه الآية لتخبر بأن الله جعلها أي قصة سفينة نوح أو السفينة ذاتها تذكرة وعبرة وآية، حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا.
وقوله: ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) يعني: حافظة عقلت عن الله ما سمعت.
والوعي في المعجم معناه الحفظ و التقدير و الفهم و الإدراك،
وقيل أذن عقلت عن الله، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله.
يقول ابن القيم :
فالوعيُ توصف به الأذن كما يوصف به القلب؛ يقال: قلب واعٍ، وأذن واعية؛ لِمَا بين الأذن والقلب من الارتباط؛ فالعلم يدخل من الأذن إلى القلب، فهي بابه والرسول والموصل إليه العلم، كما أن اللسان رسوله المؤدي عنه. ومن عرف ارتباط الجوارح بالقلب علم أن الأذن أحقها أن توصف بالوعي، وأنها إذا وعت وعى القلب. [ابن القيم: ٣/١٨٩]
السؤال: ما سبب وصف الأذن بالواعية؟
الوعي: العلم بالمسموعات، أي: ولتعلم خبرها أذن موصوفة بالوعي، أي: من شأنها أن تعي.
وقيل “واعية” أي أنهم يحذرون معاصي الله أن يعذّبهم الله عليها، كما عذّب من كان قبلهم تسمعها فتعيها، إنما تعي القلوب ما تسمع الآذان من الخير والشرّ من باب الوعي.
وفي تفسير السعدي، ذكر بأن احمدوا الله واشكروه الذي نجاكم حين أهلك الطاغين واعتبروا بآياته الدالة على توحيده ولهذا قال: { لِنَجْعَلَهَا } أي: الجارية والمراد جنسها، { لَكُمْ تَذْكِرَةً } تذكركم أول سفينة صنعت وما قصتها وكيف نجى الله عليها من آمن به واتبع رسوله وأهلك أهل الأرض كلهم فإن جنس الشيء مذكر بأصله. وقوله: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } أي: تعقلها أولو الألباب ويعرفون المقصود منها ووجه الآية بها. وهذا بخلاف أهل الإعراض والغفلة وأهل البلادة وعدم الفطنة فإنهم ليس لهم انتفاع بآيات الله لعدم وعيهم عن الله، وفكرهم بآيات الله.
وبعد أحبتي..
فالأذن تعي كما يعي القلب ويخشى وكما يعي العقل ، بل هي بوابة وعي القلب والعقل ، ووصفت الأذن التي يفهم صاحبها و يدرك بأنها واعية.
والوعي و الإدراك أمران نسبيان يتفاوتان بين الأفراد فالبعض لديه نسبة إدراك عالية عموما و في كل المجالات و البعض واع في شأن ما و حسب..
وعلو الوعي وشدة الإدراك نعمتان جليلتان و لاشك فما فائدة الحكمة إذا لم تجد من يعيها و ما نفع المعلومة و الحقيقة إن لم تجد من يدركها، و هل يميز الناس عن بعضهم البعض سوى القدرة الإدراكية و فهم الحقائق، ومن عظمة القرآن أن جاءت هذه الآية لتوضح أن الإدراك هنا يتبعه الانتفاع وهذه درجة أعلى فمن يدرك ويعي ثم ينتفع بما يسمع فذاك أمر مهم فهناك من يعي و لا ينتفع و لايطبق ماوعاه.
رب ارزقنا عمق الإدراك وسعة الوعي والانتفاع بما ندرك و نعي .
د. فاطمة عاشور 💜