أميرٌ تخلى عن الأمارة من أجل العشق والتفرغ للشعر والأدب.. من أشهر عشاق نجد فلا يمكن أن نذكر الحريق في نجد دون أن نذكر الشاعر الأمير محسن الهزاني..
هو محسن بن عثمان الهزاني أمير وشاعر عربي، يعد من أشهر أعلام الشعر النبطي في الجزيرة العربية، ولد عام 1145هـ في الحريق، وتوفي عام 1210هـ. من أشهر شعراء نجد في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) ويلقب بأمير الشعر الغزلي فقد أدخل الأوزان المسماة بالسامري ذات القافيتين. وتولى إمارة الحريق فترة من الزمن ثم اعتزل الامارة وهو ينحدر من قبيلة الهزازنة من قبيلة عنزة أمراء الحريق في نجد الجنوبية. ويعتبر مجدد محدث الشعر الشعبي لإدخاله بعض اوزان الشعر ومن أشهر قصائده الاستغاثة.
اسمه ونسبه :
” محسن (عبد المحسن) بن عثمان بن رشيد بن مسعود الهزاني، من أسرة الهزازنة التي تنتسب إلى رشيد بن مسعود بن سعد الهزاني الوائلي نسبة إلى وائل بن هزان بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان”.
شاعريته
نال الشاعر الهزاني شهرة كبيرة في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي؛ وذلك لقوة شاعريته وموهبته الشعرية الفذة، حيث تميزت قصائده بدقة الوصف وقوة المعنى وصدق العاطفة مما جعله يبرز في شعر الغزل.
من نجد العذية ذاع صيته حتى وصل لبادية الشام والعراق فكتب عنه الأديب الزجلي رشيد نخله كتاب وعرضه على الأدباء في دواوينهم وقد أشار إليه الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي في إحدى دواوينه..
الهزاني شاعر مثقف في بيئة ندر فيها المثقفون فاتضح جليا تأثره بالشعر الجاهلي في بعض قصائده وخاصة لامرؤ القيس..
قال طلال السعيد: ” الشاعر محسن هو شاعر الغزل الكبير اشتهر شعره بين الناس وأصبح شعره مضرباً للمثل في كل زمان ومكان حتى قيل: (لو كنت الهزاني) لكل من أولع بالغرام أو اشتهر بالغزل”. قال الجهيمان: ” محسن الهزاني شاعر غزل من عائلة لها مكانة في المجتمع النجدي..
عاب عليه مجتمعه هذا الأسلوب في الغزل والوصف كونه أمير فتنازل لأخيه زيد ليتفرغ لأدبه الذي عشقه وامتاز فيه ولذلك فإن معظم شعره في الغزل …” قال عبدالله بن خميس: ” كان محسن شاعراً مجيدًا إلى أقصى درجات الإجادة، ولم أرى من شعراء النبط -قبله ولا بعده- من تقدمه، خصوصاً في الغزل والوصف فلقد أبدع أيما إبداع وجاء بصور وابتكارات، في منتهى الروعة والجمال”.
محسن الهزاني هو أول من ادخل فن السامري على الشعر النبطي وأول من استخدم بحر المسحوب في قصائده كما أنه أول من ادخل النظم المروبع على الشعر النبطي النجدي..
محسن من الشعراء المقلين في المدح فلا يكاد ينظم قصائد المدح إلا قصيدة واحدة وصلتنا عنه في مدح الأمير وطبان الدويش والتي قال فيها :
خلوني أصحى من هوى السكر وأفيق
وأدّي سلامي يمّة اللي تودون
ومنمّق بالزاج والعفص تنميق
ألبّ وأحلى من نبا كل مكنون
للمنتخي خلف السبايا أبو عليق
يوم إن ذا يطرح وهذاك مطعون
وطبان زين اعيادهنّ المشافيق
إلا وله نفسٍ طموحٍ عن الدون
ريف القرايا بالسنين المحاقيق
لي جوه اهل عيرات الانضا يحثّون
محسن الهزاني كشخصية كان أسطورة للفتيات في عصره حتى بات هو المقياس أو التصنيف لما يسمى حاليا بملكات الجمال فهو باختصار إذا ذكر أن فتاة جميلة يسألون مباشرة هل ذكرها محسن بقصيدة أو تغنى بجمالها فإذا كان الجواب بلا فلا تعتبر جميلة فالمحظوظة فقط من ذكرها محسن الهزاني في قصائده..
من أشهر الفتيات اللاتي مدحهن محسن ساره و هيا و منيره..
لكن من الظلم المجحف اختزال أشعار محسن الهزاني في الغزل فقط بل له قصائد جميلة في الحكمة والدين واشهرها قصيدته بعد أن اجدبت أراضي نجد وبعد أن صلوا صلاة الاستسقاء فقال :
دع لذيذ الكـرى وانتبــه ثـمّ صـلّ واستقم في الدجى وابتهـل ثـم قـل
يا مجيب الدعـا يـا عظيـم الجــلال يـا لطيـف ٍ بنـا دايـم ٍلـم يـزل
واحـد ٍمـاجـد ٍقـابـض بـاس،ـط حاكـم ٍعــادل ٍكـلّ مـا شـا فعـل
ومن أهم قصائده التي تشتمل على الجناس اللفظي”.
يا الله بنوٍّ مـدلــهــم الــخــيــالا *طافح ربابه فيه مثل شرد المها الزرق
لــي جاعـلـي البكـرين بـنـي الحلالا ما عـاد يفـصـل فيه رعـد ولا برق
عــســاه يـســقـي ديـرتـي بالكمالا ويودع نعام ديار الأجواد لــه طــرق
يسـقـي غــروس عـقـب مـاهــي هـمالا ويصبـح حمامـه ساجـع يلـعـب الــورق
جـريت أنـا صــوت الـهوى باحتـمـالا فــي وســط بسـتـان سـقاه أربع فرق
طـبّـيـت مع فرع جديــد الـحـبالا وظهـرت مـع فـرع تناحـت بــه الورق
روشـن هــيا لــه فرجـتـيـن شــمالا بـاب مــع القبـلـة وباب مع الـشرق
ومـبـسـم هــيـا له بالظلام اشـتعالا *بـيـن الـبروق وبيـن مبـسـم هيا فرق
بــرق تلألأ قـلـت: عزّ الـجـلالا *وأثـره جبين صويحبـي واحسبـه بـرق
يــا شـبه صـفرا طـار عنها الـجـلالا طويلة السمحـوق تـنـزح عـن الــورق
لــه ريــق أحــلا مــن حلـيـب الـجــزالا وأحلا من السكر إلى جاء مـن الشـرق
حـنّـيـت أنا حــنّــة هــزيــل الـجـمــالا ينقـض روي الخـيـل قــد مـسـه الـفـرق
ويـا قـلـتــه فــي عـالــيــات الـجــبــالا مـاهـا قــراح مـيــر من دونـهــا غرق
مـا عـاد للـصـبـيـان فـيـهــا احـتـمــالا مــن كــود مرقـاهـا يديـهـم لـهـا طــرق
قالـوا تتـوب مــن الـهـوى؟, قـلـت لا لا إلا إن تتوب رمـاح علـوى عـن الـزرق
قالـوا: تتـوب مـن الهـوى؟, قلـت: لا لا إلا إن يتوبـون الحناشـل عــن الـسـرق
قالـوا: تتـوب مـن الهـوى؟, قلـت: لا لا إلا إن تتوب الشمس عن مطلع الشرق
أخـذت مــنــها حـبــتــيــن تـتـالا يـوم إن نسنـاس الهـوى يطرقـه طــرق
وله العديد من القصائد الدينية التي قالها في نهاية حياته، وهو القائل
غنـى النفـس معـروف بتـرك المطـامـع ولـيس لـمن لا يـجـمـع الله جـامـع
فهل تُدفع البلوى وهل يُمنع القضـاء فـمـا لـلــذي يـأتـي من الله دافع
أكفـكـف دمـوعـاً آلم الـكـف كـفـها لهـا بيـن ملقـى صحـن خـدي تتابـع
بهـا هـام قلـبـي واستمـالت صبابـتي وغصن الرجاء مني لـه اليـأس هـازع
فـلـمـا أحق الـعــرف مـنى مـنازلاً أشارت بتسلـيـمـي إليـها الأصـابع
وله قصيدة أخرى يقول فيها
ولا للفتى أرجا من الدين والتقى وحلم عن المجرم وحسن التواضع
وقال في أخرى
وأحذرك عن درب الردى لا تبى الردى فتصبح طريح بين واش وشافع
واشتهر بسامرياته ذات القافيتين ومن قصائده قوله وقد ضمنها بعض الحكم:
من ناظري دمعي على الخد مسكوب
ومن الحوادث شاب راسي وأنا شاب
لا لذ لي زاد ولا حلو مشروب
ولا لموق العين حلو الكرى طاب
لا شك ما يجري على العبد مكتوب
طول الزمان وكل شي له أسباب
وأنا سبب قتلي ضحا شفت رعبوب
يضحك ويومي لي وأنا من ورى الباب
من قبل شوفي له,, وأنا قبل أبا توب
ومترك عني هوى تلع الأرقاب
العين خرسا كنها عين يشبوب
وجدايل من فوق الأكتاف ,,.
لولا الحيا نطيت من راس مشذوب
وأنوح نوح الورق وأجيب ما جاب
يالله يا مولاي يا خير مطلوب
ياللي إلى من ساله العبد ما خاب
تجعل موازين المحبة على الدوب
بيني وبين مورد الخد بالباب
وفاته
توفي في بلدته الحريق عام 1240هـ، وكان في الخامسة والتسعين من عمره.