لازلنا في قصة سليمان و بلقيس، وذكرنا بأن الأقوال تعددت حول الذي عنده علم من الكتاب و الخلاصة أن سليمان وجد العرش و قد استقر إلى جانبه فقال هذا من فضل الله ليختبره أيشكر أم يكفر بعد كل هذه النعم، و الله غني عن عباده.
يقول تعالى : (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ) (41)
أي أمر بنزع فصوصه ومرافقه وأمر به فغير ما كان أحمر جعل أصفر ، وما كان أصفر جعل أحمر لينظر أتتعرف عليه حين تراه و تميزه بأنه لها أم لا، فحين جاءت سئلت هل هذا عرشك؟ فقالت كأنه هو و في ردها ذكاء وحزم.
و كانت من قوم يعبدون الشمس، فأراد سليمان أن يوجهها لعبادة الله و يتزوجها
، قال تعالى : (.قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (44).
وذلك أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من زجاج ، وأجرى تحته الماء ، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه، واختلفوا في السبب الذي دعا سليمان عليه السلام إلى اتخاذه ، فقيل : إنه لما عزم على تزويجها واصطفائها لنفسه ; ذكر له جمالها وحسنها ، ولكن قيل أن في ساقيها هلب عظيم ، ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة أي أن قدميها قبيحتان، فساءه ذلك ، فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا ؟ وقيل أنه لما دخلت وكشفت عن ساقيها ، رأى أحسن الناس وأجملهم قدما ، ولكن رأى على رجليها شعرا، لأنها ملكة ليس لها بعل فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل لها : الموسى ؟ فقالت : لا أستطيع ذلك . وكره سليمان ذلك حتى لا تتألم ، وقال للجن : اصنعوا شيئا غير الموسى يذهب به هذا الشعر ، فصنعوا له النورة، وكان أول من اتخذت له النورة .
ووضع سرير سليمان و عرشه في الصرح الزجاجي، فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجنّ والإنس ثم قال: (ادْخُلِي الصَّرْحَ ) ليريها مُلكا هو أعزُ من ملكها، وسلطانا هو أعظم من سلطانه (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ) لا تشكُّ أنه ماء تخوضه، فقيل لها: ادخلي إنه صرح ممرّد من قوارير أي من زجاج فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله ونعى عليها في عبادتها الشمس من دون الله ،فقالت بقول الزنادقة اي بقول فيه كفر ، فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت واستغفارا من الله، وسجد معه الناس; وسقط في يديها أي علمت خطأها حين رأت سليمان صنع ما صنع، فلما رفع سليمان رأسه قال: ويحك ماذا قلت؟ قال: وأُنْسِيت ما قالت:، فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وأسلمت، فحسن إسلامها.
وهكذا تم لسليمان مبتغاه بأن تسلم وتزوجها و هي مسلمة، و يلاحظ من القصة أن الإنسان مهما بلغت تقواه فهو بشر يميل لنظافة الجسد و التجمل و التزين، فكل امرأة تود في زوجها التأنق و العناية بشكله وكل رجل يود في زوجته الاهتمام بجمالها و زينتها و لاينقص ذلك من تدينهما فالمعاملة الحسنة والإرضاء مطلوب من الطرفين.
كما يستفاد أن يستعين الداعية بأساليب عدة لاتمام دعوته و الإقناع بأفكاره تارة بضرب المثل و تارة بالتشخيص و تارة بسوق الأدلة العقلية وعليه أن يستخدم ذكاءه ..
وهبنا الله و إياكم سعادة الدارين.
د. فاطمة عاشور 💜